top of page

مصادر القانون

   
المقدمة

مصادر القانون هي المصادر المعترف بها من الدولة و الناس؛ معترف أنها تصنع القانون وتخلق قواعد قانونية ملزمة علي جميع الأفراض وجميع أنظمة الدولة والمجتمع. أهمية مصادر القانون تتجلي في أنها تعطي الدولة منهج ونظام ثابت وممنهج، به تتبع وتحدد القوانين الموجودة أوالقديمة، وبه تقنن قوانين جديدة متناسقة مع بعضها ومع القوانين السابقة.  بالرغم من تلك الاهمية الا ان كثيراً من طلاب القانون وأيضا خريجي القانون من المحامون يعرفونها بالفطنة ولكن يجهلون ما هي وكيف يمكن توظيفها في الحجج القانونية، بل ويخلطون بينها وبين القواعد القانونية في بعض الاحيان. تلك المقالة هي نتاج بحث قانوني مكتوب بهدف دعم رابع حلقة فى نظرية القانون والتي تندرج تحت سلسلة العلوم القانونية. تلك المقالة تتناول ماهية مصادر القانون، تقسيم مصادر القانون، أهمية تلك المصادر وترتيب تلك المصادر وأهمية ذلك الترتيب.

مصادر القانون

مصادر القانون هي أصل أومنبع القانون، فأذا شبهنا القانون بالنهر والقواعد القانونية بمياة النهر سيظهر معني مصادر القانون جلي وواضح. عندا ننظر لمياة النهر ونسأل أنفسنا عن مصدر تلك المياه التي تجري به، يأتي في أذهاننا الجبال والمنابع التي تكونت عليه أوبداخلة بسبب تراكم مياة الأمطار، فأن النهر لم يظهر من العدم. كذلك القانون له منابع يستقي منها قواعدة: أذا قلنا أن مصادر النهر والمياة التي تجري فيه وتكونه هي منابع الجبال التي فاضض بالمياة من تراكم مياة

الأمطار، فما مصادر القانون؟ كيف تخلق القواعد القانونية في مصر؟

منهجية القانون

في البدأ يجب أن نوضح أن تحديد مصادر القانون ما هو الا أختيار سياسي أومجتمعي أوظرفي أو هو حتي نتاج تطور تاريخ؛ ذلك يعني أنه يتغيير على حسب المكان والزمان. لذلك سنحدد النقاش علي ما يهمنا؛ وهو مصادر القانون المصري الحالي و التي هي متطابقه جدا مع مصادر القانون في الوطن العربي و تشبه أوتتبع نهج مصادر القانون اللاتيني. ولمعرفة مصادر القانون أو سؤال قانوني أخر علي الباحث تبني منهجية معينة وتعليل تلك المنهجية. علي سبيل المثال في أنجلترا تلك المنهجية تتطلب تتبع الأحكام لمعرفة مصدرية القوانين وذلك لان المصدر الاول للقانون في أنجلترا هو السوابق القضائية، وفي أميريكا تتطلب تتبع كيف يفكر القاضي وما هي المؤثرات التي تؤثر علي حكمة لمعرفة القانون، وذلك لان الأمريكان يتتبعون منهج الواقعية، أما في أوروبا وتحديدا فرنسا وهي بلاد تتبع بشكل كبير نهج القانون اللاتيني والتي تتبعه مصر أيضا فأن القانون يقنن أي يوضع في أقسام مكتوبة ومقسمة. وعليه فأذا أردنا أن نبحث في القانون المصري فعلينا بتتبع وتأصيل وتحليل القواعد القانونية.  أما لمعرفة مصادر القانون في مصر، فذلك سؤالاً فلسفي، يسأل في الأساس عن ماهية القانون وماهية تكوينه "بحث عن القانون" ولذلك علي الباحث في ذلك المجال أن يحلل النظام القانوني أكمل، أو عدد كبير من القواعد القانونية المختلفة في شتي مجالات القانون بهدف تحري طريقة تقنينهم وأيضا طريقة البت فيهم في المحاكم، ويحاول أن يجد أجوبة للأسئلة الجوهرية أوبتحري التضاربات علي المستوي الأساسي؛ مشاكل دستورية مثلا. ومن ثم يحدد للعامة النظرية ومن ثم المنهجية القانوية الأقرب والأدق لتحري القانون والبحث فيه "بحث في القانون". ببحث وتحليل الفقهاء المصريين مثل كتابات الأستاذ عبد الرازق السنهوري، أستاذ دكتور أحمد عوض بلا، والقاضي المؤرخ يتضح انه يوجد في مص نوعان من المصادر: النوع الأول هو المصادر الرسمية والنوع الثاني هو المصادر غير الرسمية.  وتلك التقسيمة لا تختلغ كثيرا عن ما هو موجود في العالم أجمع على المستويين المحلي والدول.

مصادر القانون المصري

المصادر الرسمية: هي مجموعة المصادر الشكلية التي أقرها المجتمع وأضفى عليها صفة الإلزام. وهي طرق معتمدة تكسب القاعدة القانونية صفة الإلزام لتصبح مطبقة على جميع الأفراد داخل المجتمع. وأهم ما يميز المصادر تلك المصادر هو أنها تمد القاضي بالقواعد القانونية التي بيحكم بمقضتاها.

لكن ماذا يندرج تحت تلك النوع من المصادر؟ بجانب تحليل القانون، وكتابات الفقهاء، سنجد أن القانون المصري يضع في القانون المدني المصري مادة قانونية شافية ودالة ومبينة صراحة علي المصادر الرسمية للقانون المصري، وهي المادة 1 فقرة 2: "تسري النصوص التشريعية على جميع المسائل التي تتناولها هذه النصوص في لفظها أو في فحواها، فإذا لم يوجد نص تشريعي يمكن تطبيقه، حكم القاضي بمقتضى العرف، فإذا لم يوجد فبمقتضى مبادئ الشريعة الإسلامية، فإذا لم توجد فبمقنضى مبادئ القانون الطبيعي وقواعد العدالة". وذلك يعني أن المصادر الرسمية للقانون المصري طبقا للمادة 1 فقرة 2 المدني هم: (أ) التشريع.  (ب) العرف. (جـ) مبادئ الشريعة الإسلامية. (د) مبادئ القانون الطبيعي وقواعد العدالة

 

هناك خلط دائم في فهم مصادر التشريع يأتي من المادة الثانية في الدستور والتي تحدد أن "مبادئ الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع". وهنا يخلط البعض بين التشريع والقانون؛ فالتشريع هو المصدر الرئيسي للقانون أما القانون هو مجموع القواعد القانونية أياً كان مصدرها. المادة الثانية من الدستور لاتعيد ترتيب المصادر القانونية؛ فالتشريع مازال المصدر الرسمي الأول للقانون ومبادئ الشريعة هي المصدر الرسمي الثالث للقانون. المادة الثانية تشير الي آلية التشريع في سن القوانين: مصدرية التشريع تعني مرجعيته، أي المورد الذي تستقي منه الأحكام‏؛ وهنا وفسر طارق البشري القاضي والمؤرخ المصري ان التشريع (مجلس الشعبظالبرلمان)  تكون مرجعيته الفكرية إسلامية، علي أن ترجح تلك المرجعية الإسلامية من داخلها الآراء والاجتهادات لما أورده الدستور من مبادئ أخرى تتعلق بالمساواة والحقوق والحريات‏ وذلك في إطار ما تسعه المرجعية الشرعية وما تتقبله بأي من وجوه الاجتهاد الفقهي المعتبر مما يلائم أوضاع الزمان والمكان وتغير المصالح العامة للأمة‏. تلك هي وجهة نظر أو قراءة معينة معلله لوجود المادة الثانية في الدستور مع المادة 1 من القنون المدني.  وعليه نري ان القانون في تلك المسألة يحتاج مجهود بحثي مفسر ومعلل أو مغيير.

 

ترتيب المصادر

بناءا على المادة 1 فقرة 2 من القانون المدني وتطبيقاته يمكن ببساطة معرفة ترتيب المصادر: التشريع هو المصدر الرسمي الأول؛ العرف هو المصدر الرسمي الثاني؛ مبادئ الشريعة الإسلامية هي المصدر الثالث؛ ومبادئ القانون الطبيعي وقواعد

العدالة  هم المصدر الرسمى الرابع. لكن لماذا هو مهم ذلك الترتيب؟

 أولا: تدرج الأخذ بالقوانين

ترتيب المصادر يعطي النظام القانوني كله تسلسل وأطار تنظيمي مما يمنح القاضي ومن قبلة المحامون أو وكلاء النيابة سهولة ووضح خاصة أن القوانين أعدادها وفيرة: فالقاضي من المستحيل أن يحكم في مشكلة بتطبيق قواعد عرفية دون النظر الي القواعد التشريعية. وعليه فأن ذلك الأطار يعطي بداءه وزن للقوانين الناتجة عن مصدر معين تجاة مصادر أخري ناتجة عن مصدر أخري

 ثانيا: تعارض القوانين

ترتيب مصادر القانون مهم في حال تعارض قوانين نابعة من مصادر مختلفة مع بعض: أذ حدث وتعارضت قاعدة قانونية مصدرها الشريعة الاسلامية و أخري مصدرها التشريع، ستكون الأسبقية للقاعدة القانونية التي كان مصدرها التشريع. وبمكننا أن نقول أنه في الغالب لا يوجد تضارب لأن كما وضحنا سابقا أن مرجعية التشريع هي الشريعة الأسلامية، و أيضا معظم الأعرف تم تقنينها. ولكن بالفعل يوجد بعض التعارضات؛ وكلا منهم لها سياق. علي سبيل المثال في قضية محمود البنا التي تم تناولها من قبل مستعرضين قانون العقوبات المصري، أستنتجنا أن العقوبة ستخفف من أعدام للسجن بحد أقصي خمسة عشر عاما وذلك لأن مرتكب الجريمة كان تحت السن القانوني( 18 عام) عند أرتكاب الجريمة. وذلك طبقا لقانون الطفل المادة 111 . ولكن أتت حجة قانونية معارضة مستندة ألي المادة الثانية من الدستور مفادها أن أحكام الشريعة تحدد من هو الطفل وهو فترة ما قبل البلوغ وعليه يجب أعدام الجاني. في تلك الحالة فأن الرد القانوني الصحيح هو أن القواعد القانونية التي هي مصدرها التشريع (في هذه الحالة تحديد السن القانوني 18 عام) علي أي قاعدة قانونية من مصدر أخر. أما بالنسبة لمرجعية التشريع فهي متطابقة مع مباد~ الشريعة الأسلامية لأن الشريعة الأسلامية لم تحدد سن معيين للطفل بل أكتفت بمعيارين وهم البلوغ والعقل. وعلية فأن ذلك التحديد متروك لتقدير الزمان والمكان وولي الأمر.

مثال أخر وهو قانون العقوبات المصري: ذلك القانون يضع عقوبات وحدود مختلفة مثل الحبس والأعدام والغرمات وهي عقوبات لم تشرع في الشريعة الأسلامية وأنما أتت جزاءات أخري مثل قطع اليد والجلد. الرد القانوني هنا أو التفسير المتاح لتلك الحالة هو أن المادة الثانية من الدستور أتت لاحقة علي النظام القانوني المصري والتي أدرجها السادات لكسب الاسلاميون السياسيون في صفة وتهدأة الاوضاع السياسية في ذلك الوقت في تاريخ مصر. وأعمالا بتلك المادة قررت المحكمة الدستورية أن تطبق المادة الثانية من الدستور بشكل مستقبلي وتتحاشي تطبيقها بأثر رجعي. وهنا أيضا نحتاج الي المزيد من البحث القانوني من السادة المحاميين والباحثيين القانونين، لأنه وأن تعللت المشكلة، فأنها مازالت باقية.

 

مصادر القانون الغير رسمية: ويطلق عليها ايضا المصادر التفسيرية أوالاسترشادية للقانون، ومهمتها هي إيضاح وتفسير ما جاء في المصادر الرسمية. وتكون في العادة أراء قانونية استنبطها فقهاء القانون أو القضاة من خلال البحث في القانون. وأهم ما يميزها هو أنها غير ملزمة للقاضي، وتلعب فقط دور ثانوي.  أقوي وأوضح مثال ليها هو أحكام محكمة النقض.

ما يجب تذكرة هنا هو ان الفقه ودائرة البحث القانوني بشكل عام تلتزم عادة بالسياق القانوني و"تفكر كمحام" في مواجهة المشاكل القانونية: أي تتأيد بأطارات القانون التي يتأيد بها القضاة والمحامون. ولكن في أوقات أخري معلله بالزمان والسياق يخرج الفقة عن ذلك الأطار القانون ويحاول الكشف عن حقائق وحلول جديدة من شأنها تطوير القانون أو سد ثغراته.  وذلك لأن عمل الفقة حر غير مقيد كما هو حال القضاء. القضاء يطور في القانون ولكن تطويره ضعيف نظرا لكثرة القضايا، ولكن بمساعدة الباحثين يمكن للقضاء  أن يطور ويواكب التطور والتقدم في مجالات مختلفة زي التكتولوجيا, الانترنت و غيرة. وهنا تظهر أهمية العمل الفقهي في تطوير القانون، و تلبية احتياجات المجتمع.

 

 

الخاتمة

هناك فرق بين القانون وبين مصادر القانون. القانون يتكون من القواعد القانونية والقواعدالقانونية تتكون عن طريق المصادر. مصادر القانوني المصري تنقسم الي  مصادر رسمية ومصادر غير رسمية. أهمية تحديد مصادر القانون تتجلي في أتاحة تعديل، الغاء أوتقنين القواعد القانونية بطريقة منظمة و متناسقة من خلالها يحكم الشعب بنهج سوي وثابت وعادل، ويتجلي ترتيب تلك المصادر في تدرج الأخذ بهم والفصل فيهم في حالة التعارض.

bottom of page